نصيحة لطالب العلم
صفحة 1 من اصل 1
نصيحة لطالب العلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله لا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ-تسليماً كثيراً أما بعد :
فكلمتي نصائح لطلاب العلم وطالبات العلم ولجميع المسلمين ، فإن الله يقول :﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾[سورة العصر]، فالتواصي بالحق مما يجب على المسلمين أن يتواصوا به ، وهذه النصائح يحتاجها كل مسلمة ومسلمة ولا سيما طلاب العلم وطالبات العلم .
النصيحة الأولى :
الإخلاص ، إخلاص العمل لله وإخلاص النية لله ، وأنت يا طالب العلم في طلب العلم ما أحوجنا جميعاً إلى الإخلاص أن تبتغي بعلمك وجه الله وأن تبتغي بعملك وعباداتك ودعوتك وجه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ، فالله يقول : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ﴾[البينة: 05] ، ويقول -سُبْحَانَهُ- : ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾[الكهف:110] ، والرسول يقول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه »[1] متفق عليه عن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، وتعرفون حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم : « أول من تسعر بهم النار والعياذ بالله من النار ثلاثة : ـ وهم كما تعملون ـ العالم الذي لم يبتغي بعلمه وجه الله ، والقارئ الذي لم يبتغي بقراءته وجه الله ـ ويدخل في ذلك الطالب الذي لم يبتغي بطلبه العلم وجه الله ـ والمجاهد الذي لم يبتغي بجهاده وجه الله ، وكذا المنفق الذي لم يبتغي بنفقته وجه الله »[2] . أول ما تُسعر بهم النار ويُسحبون سحباً على وجوههم حتى يُقذفون بالنار والذي فاتهم هو الإخلاص وإلا فالعمل بحسب الظاهر عملاً صالح ، فشرط الظاهر تَيسر وشرط الباطن الذي هو الإخلاص لله لم يتيسر ، فكانوا أول النار دخولاً إلى النار سحباً على وجوههم عياذاً بالله في ذلك ، فالله الله علينا جميعاً بالإخلاص ، يا طالب العلم إذا أردت أن يرفعك الله في الدنيا والآخرة فأخلص النية لله في طلبك للعلم ، فإن الإمام البخاري رحمة الله عليه حين ألف كتابه " الجامع الصحيح " بدأ بكتاب بدء الوحي وبدأ بحديث « إنما الأعمال بالنيات » لينبه طلاب العلم والعلماء على إخلاص النية لله ، وأن العمل إذا لم يكن خالصاً لوجه الله وإلا كان مردوداً على صاحبه ، وهكذا فعل الإمام النووي -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- في " رياض الصالحين " وفي كتابه " الأذكار " وفي كتابه " الأربعين النووية " « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى » ، وكذلك فعل المقدسي -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- في كتابه " عمدة الأحكام " بدأ بحديث عمر « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى » ، وكذلك فعل البيحاني -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- في كتابه " إصلاح المجتمع " بدأ بحديث « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى » ، وغيرهم وغيرهم تنبيهاً لطالب العلم الذي وفقه الله لسلوك العلم بأن يُجرد النية لله ، وبأن يخلص العمل لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ، فقد قال الله -عَزََ وَجَلَّ- في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في " صحيحه " عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال : قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ-: ( قال الله -عَزََ وَجَلَّ- : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) ، فأحذر من الرياء وأحذر من السمعة وأحذر من حب الظهور وابتغي بعملك وجه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ، وإذا أخلصت النية لله فأبشر بقبول العمل وأبشر أيضاً بعِظم المثوبة عليك ، فإن العمل إذا لم يكن خالصاً لوجه الله لو أنفقت مثل جبل أحد ذهباً رياءً وسمعة يجعله الله هباءً منثوراً وهو مثل جبل أحد أو أعظم من ذلك ، كما قال الله : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾[الفرقان:23] ، وإذا تصدقت ولو بنصف تمرة تبتغي بها وجه الله يُربيها الله لك حتى تكون يوم القيامة مثل جبل أحد ، فقليل العمل مع الإخلاص عظيم عند الله وكثير العمل بدون إخلاص لا شيء يكون هباءً منثوراً .
هذه الوصية الأولى لطالب العلم وطالبة العلم وللعالم ولداعي إلى الله ولكل مسلم ، ونسأل الله -عَزََ وَجَلَّ- أن يرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل .
الوصية الثانية لطالب العلم وطالبة العلم ولكل مسلم :
أن نحذر من المعاصي ، أحذر يا طالب العلم من المعصية فربما كانت سبباً في ظلمة قلبك ، وفي ظلمة القبر ، وفي ظلمة الوجه ، وفي العيشة النكدة الظنكى ، المعصية هي حرب الشيطان للمؤمنين يُحارب الشيطان المؤمنين بالمعاصي ، لأنه يعلم أن من عصى فقد غوى ، كما قال الله : ﴿ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾[طه:121] ، ومن عصى فقد ضل ، ومن عصى فقد عَرض نفسه لعقوبة الله عاجلاً أو آجلاً ، فأحذر المعاصي أحذرها على نفسك أشد مما تحذر على نفسك الحية والثعبان والتماس الكهرباء ، فكم من إنسان أظلم قلبه بسبب المعاصي فما استطاع أن يحفظ ولا استطاع أن يقرأ ولم يجد لذةً لا للقراءة لا للحفظ و ولا للصلاة في جماعة لظلمةٍ في قلبه حالت بينه وبين ما يريد ، فأنت إذا فعلت المعصية فقد أعنت الشيطان على تحطيم نفسك فاستقم كما قال الله : ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾[هود:112] استقم وتمسك بالكتاب وبالسنة وأعمل بما تعلم ، أعمل بما تعلمت حتى يُبارك الله لك في علمك وفي عملك وفي عمرك وفي أقوالك وفي أفعالك ، يقول الشافعي-رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-: شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدي إلى ترك المعاصي وقال أعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يأتاه لعاصي فكم حاول من محاول أن يطلب العلم وأن يحفظ فما استطاع ، والسبب في ذلك المعاصي ، فالطاعة نور للقلب يَنجلي بها ، والمعصية ظلمة على القلب والعياذ بالله ، فالله الله في الابتعاد عن المعاصي ، وعليك بالإكثار من الاستغفار ، اكثر من الاستغفار لعل الله أن يغفر لك ، وأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله بأن يثبتك الله على دينه وعلى كتابه وسنة نبيه محمد -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ- ، وراجع " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " للإمام العلامة ابن القيم-رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-، وانظر كم من مخاطر تأتيك من قِبل المعصية .
الوصية الثالثة لطالب العلم ولطالبات العلم وللعالم والداعي إلى الله :
أن نحذر من الدنيا ، يا طالب العلم أحذر الدنيا ، أحذر حب الدنيا ، وأحذر أن يتعلق قلبك بها ، فإن القلب إذا تعلق بالدنيا وبحب الدنيا وبحب المال سرعان ما ينخدع ويُضحي بالعلم في سبيل الدنيا الفانية الملعونة كما قال النبي-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام-: « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ، إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً »[3] رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، بل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾[فاطر:05] قال : ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ أي لا تغتروا بها ، والرسول يقول -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ- : « اتقوا الدنيا واتقوا النساء »[4] رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، اتقوا الدنيا واتقوا النساء ، أحذروا الدنيا أحذروا الدنيا ولا تتعلق قلوبكم بها ، ليس معنى أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تبع ولا تشتري لا بد لك من هذه الأمور ، لكن أحذر أن يتعلق القلب بحبها ، وأحذر أن تنغمس فيها ، فكم من إنسان انغمس فيها فضيع دينه إلا من رحم الله ، وجاء أيضاً في سنن ابن ماجه بإسنادٍ حسن من حديث أبي الدرداء -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال : خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ- ونحن نتذاكر الفقر ونتخوفه ، فقال : « آلفقر تخشون ، والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزبغ قلب أحدكم إزاعةً غلا هي ، وأيم الله لقد تركتم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء »[5] فقال أبو الدرداء -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- : نعم والله تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ، فانتبه انتبه أن تتعلق بالدنيا فإن من تعلق بها زاغ قلبه ، كما قال النبي-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- : « حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغةً إلا هي »[6] ، وهكذا يقول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- : « ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى عليكم الدنيا »[7] وقال أيضاً : « لا الشرك أخشى عليكم ، ولكن يخشى علينا زهرة الحياة الدنيا »[8]حديثان في البخاري وغيره ، فكن على حذر فإنه لا يجتمع في قلب امرئ حب العلم وحب الدنيا ، فإما أن يغلب هذا على هذا أو هذا على هذا ، وإذا غلب حب الدنيا على قلبك تركت العلم وضيعت نفسك ، وكم من أناس ضاعوا وقد كانوا طلبة علم ومنهم من كان قد استكمل حفظ القرآن ، ومنهم من حفظ من الأحاديث الشيء الكثير والكثير ، ثم تعلقت قلوبهم بالدنيا فضاعوا وأضاعوا .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى